تخطى إلى المحتوى

تفكيك الإيجو 7: الدفاع عن المعاناة

هل المعاناة تفيد في حل مشكلتك؟ الجواب دائما هو: لا، وهذا ما يتفق فيه الجميع على الأقل، إذ لو كانت المعاناة تقود لشيء حقيقي وجميل، لم تكن لتسمى معاناة أصلا.
 
إن إجابات أسئلة من نوع: هل كرهك لبعض الناس وعدم تسامحك معهم سيجعلك تحصل على حقك؟ أو هل احساسك بالحزن تجاه وضعك المالي سيجعله يتحسن؟ أو هل شعورك بالتأنيب من فعلك لأشياء معينة، أفادك في عدم تكرارها؟ أو هل تفكيرك في الماضي أو خوفك من المستقبل، أفادك في شيء ما الآن؟ الخ من الأسئلة المشابهة دائما تكون إجابتها بالنفي.
 
لكن المسألة تكمن في السؤال التالي: طالما لم تفدك معاناتك وأحزانك وهمومك في أن تصل لما تريد، لماذا لا تقرر التخلي عنها؟ إذا كانت لك مشكلة وعندك مشاعر مؤلمة تجاهها، لماذا تصر على الحفاظ على ألمك ولا تتحرر منه؟ بمعنى كأنك ترى أنه طالما الوضع متواصل كما هو فأنت ترى أن معاناتك مبررة تماما.
طبعا التبريرات دائما ما تكون جاهزة، بدءا من اتهام الآخر أنه لا يشعر بك أو غير متعاطف معك ولا يعرف وضعك، مرورا إلى هوية الضحية وأنك مسكين وليس لك دخل بما يحدث، إضافة إلى الشعور أنك مجبور وكثرة الإسقاط على الآخرين أو الحظ أو الحياة…

لن تتخلّص أبداً

طالما أنت توجد المبرر لمعاناتك، فأنت لن تتخلص منها أبدا، ولن تبحث عن حل لمشكلتك أصلا، في موضوع التسامح مثلا فإن الشخص الذي يريد أن يتسامح سواء مع نفسه أو الآخرين ولكنه يصطدم ببعض المعيقات، بمجرد أنه يبحث عن حل فهذا يعني أن الحل موجود ومسألة وقت فقط حتى يجده ويستطيع التسامح وتنتهي كل المسألة، لكن عندما يأتي شخص ويقول أنا لست متسامحا وعندي الحق في ذلك لأنه كذا كذا كذا… هنا هو أصلا لا يبحث عن مساعدة لأنه عنده مبررات أقنع بها نفسه أنه المعاناة إجبار وليست خيار يستطيع التحرر منه، فمهما قرأ أو طبق عن التسامح لن يستطيع الوصول لشيء حقيقي.
لاحظ أن الوضع صار معكوسا، فمن المفترض أن الشخص هو نفسه ينوي الخير لذاته ويبحث عن حلول لمشاعره المؤلمة ومعاناته، لكن الذي يحصل هو أنه عندما تتواجد الحلول السهلة والميسرة لتحرير المشاعر أو للرفع منها، تجد أن الشخص نفسه هو الذي يستميت في الدفاع عن معاناته بطريقة شرسة وأنه محق في ذلك، وهذا هو الإيجو طبعا، إن الإنسان الذي يعيش فطرته السليمة حتى وإن تبنى في السابق بعض المفاهيم الخاطئة والمضرة هو يريد الخلاص منها محبة في ذاته حتى إن كان طريقه إلى ذلك مشوشا لكنه حتما سيصل، لكن الشخص الذي يريد إثبات أن معاناته مبررة، لمن يريد أن يثبت ذلك؟ لنفسه أم للحياة أم لمن؟ من الواضح أن الفكرة كلها مزيفة، لا داعي أن تثبت أن لك الحق في المعاناة لأنك ببساطة تستطيع التخلص منها وتعيش المشاعر والأفكار التي تريدها أنت.
تخيل أنك تتجول في الشارع و تجد شخصا يؤذي في جسده، تسأله لماذا فيخبرك أن وضعه المالي سيء أو أهله لا يحبونه أو أنه عنده مرض مزمن أو أنه في الماضي مر بصدمات ثقيلة أو أنه لم يجد عمل…. أكيد أنك ستستغرب لأن إيذاءه لنفسه لن يحل له مشكلته، نفس الشيء ينطبق على المعاناة كمشاعر وأفكار مؤذية نعيشها بدون أن تفيدنا في إيجاد حل حقيقي.

التطبيقات

التطبيق الأول هو أنك في كل مرة تجد بها نفسك تبرر شعورك السلبي، غيّرها إلى تساؤل واعي حتى تجد حل حقيقي لمشكلتك، مثلا:
سؤال أنا حزين بسبب بيئتي الحالية يتحول إلى: كيف أحرر حزني تجاه بيئتي الحالية؟
أو مثلا أنا خائف لأن وضعي المالي غير مضمون، يتحول إلى : كيف أحرر الخوف أو القلق تجاه وضعي المالي؟
أشعر بالغضب تجاه الماضي يتحول إلى: كيف أحرر غضبي تجاه الماضي؟
ليست العبرة بالألفاظ طبعا، لكن طريقة التساؤل تنقلك من موقع أن الوضع يجبرك على شعور سيء إلى موقع قوة أن لك الخيار في التحرر منه.
هناك فرق بين التبرير الحقيقي والمزيف، فعندما أسألك لماذا أنت حزين مثلا وتقول أنه بسبب الظرف المعين، هناك فرق بين أنك تستكشف لتحرر شعورك، أو أنك تستكشف سبب حزنك من أجل أن تبرر لنفسك دون أن يكون لك نية لتحرير شعورك المنخفض.
طرق التحرر كثيرة و مشروحة في المدونة والمواد، لمن يريد فعلا أن يتخلص من مشاعره السلبية، لاحظ حتى عندما أخبرك أن هناك طرق تحرر، قد تجد نفسك تقول لا، كيف أحرر، الطرق لا تنفع، وضعي صعب…. وهذا نوع من التبرير الذي حدثتك عنه، انتبه: هل أنت تريد التحرر فعلا، أم تريد مواصلة العيش في نفس المشاعر المنخفضة؟ هل لك الشجاعة أن تختار؟
 

التطبيق الثاني هو أن لا تعيش عالم موازي وردي بحيث تنكر مشاعرك السلبية وتتهرب منها أو أنك تمثل دور المتفائل، لكن اشعر بأي شعور تجاه مشكلتك، قوة الوعي هي في موازنة المشاعر بحيث أنك إذا شعرت بمشاعرك السلبية كما هي فإنها ستنقص شيئا فشيئا، حتى لا تصاب بانتكاسة لاحقا فلا تقفز بمشاعرك بسرعة تجاه مشكلتك، فإن كنت حاقدا على من ظلمك فلا تنكر شعورك وتمثل أنك تحبه، بل اشعر بحقدك كاملا إلى أن ينتهي وتجد أنه لا داعي له كشعور تؤذي به نفسك، وبعدها ستظهر لك مشاعر أفضل بشكل طبيعي.

التطبيق الثالث هو أن تفهم أسباب تمسكك بالمعاناة، شرحت في مقالتين سابقا (الأول ، الثاني) بعض الأسباب الممكنة التي قد تجعلك تتمسك بالمشاعر السلبية ولا تحررها، اطلع على المقالتين وستجد فيهما الكثير من التطبيقات العملية والفوائد. 

بعد قرائتك لهذا المقال أنت أمام حلين: إما أن تختار أن تتخلى عن تبرير المعاناة وتبدأ في تحمل مسؤولية مشاعرك، وإما أن تختار أن هذا الكلام غير مقنع وأنت تريد أن تستمر في المعاناة، لا أحد يستطيع إجبارك على الوعي أبدا فهذا خيارك أيضا، في منصة عصر السلام نحن لا نحكم على أحد بل فقط نخبرك ونرشدك كي تعيش مشاعر وحياة أفضل، لا أحد يطلب منك أن تكون مثالي بالمعنى المزيف لكلمة المثالية أي بمعنى أن تعيش قالب معين، دع روحك ترشدك إلى أفضل خيار لك.

نمتنّ لمشاركتنا رأيك..إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

21 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
bedur2020t
3 سنوات

كلماتك جات بوقتها ممتنة لك استاذ الف شكر لك٠٠٠

nouny-2008
3 سنوات

شكرا شكرا

𝔼𝔹𝕋𝕀𝕊𝔸𝕄 ★
3 سنوات

⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️

فاطمه 💗
3 سنوات

دع روحك ترشدك لأفضل خيار لك✨وانا سألت روحي ايش افضل شيء ممكن اني اتطور من خلاله وظهرت لي هذه السلسله الجميله استمتعت جداً وكشفت الايجو على حقيقته واكاذيبه وايضاً ضحكت عليه امتنان يونس لقلمك الفنان ننتظر ايجو ٨

سميـة الحازمي
4 سنوات

يالله 💗💗💗💗
كثير عميق كثير كثير
شكرا لك يونس

لينا الشعيفاني
المدير
4 سنوات

مقال مثري ومعرّي للإيجو صراحة..
وغالب التبرير للشعور يكون موجود فكرة، كشف هذه الفكرة والسماح برحيلها يسمح بالتالي لتدفق المشاعر بالرحيل..
مثل شعور الغضب، قد لا يتحرر لوجود فكرة الانتقام، فلو حرّر الشخص غضبه قد لا يستطيع الانتقام وبالتالي يتمسك بالفكرة والشعور وهكذا دواليك، وكلها بشكل لا واعي..
أبدعت يونس..

Manahel Abdulaziz
4 سنوات

خاالص الشكر و الامتنان .

norahsalemm
4 سنوات

امتنان لك 💜🙏

algoriy
4 سنوات

مقال رائع شكرا على وجودك يونس

nadjtl71
4 سنوات

مقال في قمة الروعة والجمال والإبداع، شكرا يونس

𝔼𝔹𝕋𝕀𝕊𝔸𝕄 ★
4 سنوات

ما أروعك يونس 💖

نوف
4 سنوات

الله على التنوير بنكهة يونس👏🏻( اكتشاف جذر الشيء او فقط ايجاد مبرر للشعور) فعلا هنا يأتي دور الغاية الحقيقة والسلوكيات العالية

عمار الهوساوي
4 سنوات

بصراحة بعد هالمقال كل تبريرات الايجو تبخرت بلحظة
شكراً يونس على كل هذا النور 💗

0 0 votes
معدّل التقييم
wpDiscuz

اكتشاف المزيد من منصة عصر السلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

×
Exit mobile version