تخطى إلى المحتوى

العيش بوعي

هل لديك بعض الضجيج في داخلك؟ وتشعر بأنك بعيد عن الحياة التي تريد عيشها؟

إن الحد الفاصل بين من يعيش الحياة التي يريدها ويتمناها وبين من يتخبط ويعيش في المعاناة، هو أن الأول عرف أهميته كشخص واعي وأدرك دوره في عمارة نفسه والأرض، بينما الآخر لم يُدرك ولم يعي ذلك. إن أكثر ما يُبعد الإنسان عن العيش في اللحظة والاتصال بروحه هو غرقه في الحزن على ما فاته في الماضي والخوف من ما هو قادم في المستقبل ومن هنا أتت الضرورة في ممارسة ما يمهّد للإنسان الاتصال بروحه، ويسهّل له التواجد في اللحظة، وأيضاً ليحصل على الحرية التي لطالما سعى خلفها، وبهذه الممارسات سيدرك أن الحرية تكمن في القدرة على الاختيار بين وفرة الخيارات التي ستتاح حسب وضعه ومرحلته التي يعيشها الآن. الممارسات هي وسائل مُعِينة لترتيبك من الداخل وتجهيزك لإستقبال الإرشادات والإلهامات النابعة من حقيقتك، وليست غايات بحد ذاتها.

وسائل تُرتب لك داخلك لاستقبال الإرشاد والإلهام

أُولى هذه الممارسات هي التنفس بطريقة سليمة وطبيعية لتحقيق التوازن بين الروح والعقل والجسد، حسناً أعلم بأنك لن تسألني كم ستتنفس في اليوم، لأننا هنا نتحدث عن المواظبة على كيفية السماح لأجسادنا بالتناغم مع أرواحنا وهنا يتطلب الأمر منك الاستمرار، وطريقة التنفس السليمة هي بأخذ الشهيق والسماح لبطنك بالارتفاع والهبوط مع الزفير، ولأننا تعودنا على التنفس بطريقة غير سليمة فأنت هنا بحاجة لتستقطع من يومك دقائق يومية خمسة دقائق مثلاً كي تتأقلم مع وضعك الجديد للتنفس وتستمر بزيادة الوقت كلما تعودت على المرحلة الحالية، ومن ثم تبدأ بممارسة التنفس بهذا الشكل في حياتك اليومية في المواقف الاعتيادية، الجدير بالذكر هنا أننا قد نحتاج هذه الممارسة في حال مرورك بتشتت وأي انخفاضات تحجب عنك الاتصال بروحك وتبعدك عن اللحظة لتعيدك بشكل تلقائي للحظة باتزان، وأيضاً يساعدك التنفس على الاسترخاء في حال أردت جلسةً تستجمع فيها أفكارك.

لا تُصدر الأحكام فأنت لست بحاجة في أن يكون لك رأي في كل ما يحدث، أو أن تحكم بالصواب والخطأ أو أن تنعت أحداً بشيءٍ هو فيه عوضاً عن أن تذكره بأمور هي فقط من خزينة معتقداتك المليئة بالأحكام تجاه نفسك والآخرين وكل شيء، اسمح لكل شيء أن يحدث كما هو من غير مدّه بالمزيد من الأفكار وشحنه بالمشاعر والمقصود هنا هو كل ما سيسمح للانخفاضات بالاتساع. ابدأ بنفسك أولاً من خلال السماح بمرور المشاعر التي تتكون داخلك وعدم إغراق أفكارك بالمزيد من الأفكار، دع كل ما بداخلك يمر ويؤدي رسالته بدون تدخل، وعندما تفعل شيئاً منخفضاً، كن لطيفاً مع نفسك وتدرج معها حتى تكون قادراً تماماً على عدم المساس بما لا يستحق منك حكماً تجاه نفسك، بعدها توسع قليلاً وابدأ مع الآخرين وكنصيحة ابدأ بالمقربين ثم من يليهم حتى تتمكن من تحمل المحيط والعالم حولك وتذكر أن تتدرج بدون قفز على مرحلة حتى لا تصاب بخيبة أمل تجعلك تترك الفكرة من أساسها وأخيراً توقف عن إصدار الأحكام تجاه الحياة وما تحتويه ولست مطالباً بالقيام بأدوار تستنزفك أو تجعلك في حالة تشتت وضياع. بعد تمرسك لعدم إصدار الأحكام ستشعر بأن هناك مساحة خالية في داخلك، تُشعِرك بأنك أصبحت تملك السيطرة والتحكم على أفكارك ومشاعرك وردات فعلك، ستكون شخصاً قادراً على رؤية الأشياء ومشاهدتها وعيشها بدون أن ترتبط بها أو أن تعتقد بأنها تمثلك، وستمتلك القدرة على الفصل بين ذاتك ومشاعرك وأفكارك ومعتقداتك والأدوار التي تعيشها.

ابدأ بإتقان وممارسة المراقبة حين تعي بوجود ذلك الفاصل، ستكون قادراً على الانغماس بالكامل في شعورك العالي والتماهي معه ومنتبهاً للخوف الذي تمر به سامحاً له بأن يمر من خلالك لتنفصل عنه بعدها. بالإضافة إلى أنك أثناء المراقبة ستنمي بداخلك الفاحص الذي يستطيع أن يرى الآخر بقلب متسامح ومتفهم ومحب، وأيضاً يتماهى مع الأفكار والمشاعر والمعتقدات بداخلك، ومع الحياة فأنت ستمتلك القدرة على تبني المعتقدات الداعمة ذات المشاعر العالية والنفع والأثر الطيب، وبذلك ستشعر بالحرية الآن وأنك لست مقيداً سوى بما ربطت نفسك به من أفكار ومشاعر عنك وعن الآخرين وعن الحياة.

إطلاق النوايا ونقل التركيز

بعد تسليطنا للضوء بما يوجد بداخلك ووعيك به واكتسابك لحرية الاختيار يمكننا الآن الانتقال لإكتساب ما يوفر لك النظرة التي من خلالها ترى الخيارات عن طريق أمرين وهما إطلاق النوايا ونقل التركيز.

كل ما تركز عليه وتتفاعل معه يزيد ويتوسع ويشكل واقعك الذي تعايشه في لحظتك، لذلك بدت الحاجة في نقل التركيز من ما لا تريد إلى ما تريده بناءً على حقيقتك وما ينسجم معك وتشعر من خلاله بمشاعر عالية، من البداية قد تفقد زمام الأمور وتجد نفسك تهتم بما لا يعود عليك بالنفع، فأنت لم تتمرس بعد على توجيه التركيز، وحريٌ بك أن تفرّق بين التركيز والتعلق فالأول تكون به متزناً والثاني مضطرب وقلق، ولست بصدد التوسع فيهما لكن الموقف دعاني للإشارة إليه، ثمة دائماً ما تتفاعل معه بداخلك إن لم يكن ما تريده فحتماً سيكون ما لا تريده، وإن وعيت لأهمية التركيز ستنشغل بما تريد لتحقق الانسجام والتناغم مع روحك.

بعد تمرسك على توجيه ونقل تركيزك إلى ما تريد والتماهي معه، فالآن أصبحت مستعداً لرسم مسارك والبدء شيئاً فشيئاً بالخروج من المسارات التي اختارها لك السابقون بحسن نية، وبذلك أنت تعي قيمتك وأهميتك ومنشغل بذاتك وصناعة عالمك الذي تود العيش فيه.

تبقّى لك أن تطلق نوايا ترتب لك مسارك، وتضعك في المكان المناسب لتكون بمثابة مرشدك الخاص، وبوصلتك التي ترافقك في رحلتك، فبدونها قد تتخبط ولا تصل إلى وجهتك. ليست ممارسات تتقيد بها فترة معينة وتتركها، إن كنت راغباً بالتوسع والنمو أكثر وأكثر، ولا تحتاج لجدولتها فأنت تتنفس ما دمت حياً وتغذي بتركيز ما تريد عيشه ورؤيته في حياتك، وتمرسك عليهم جميعاً سيقوي الأثر.

لا تضغط على نفسك ووازن تنفسك أولاً ثم راقب بدون إصدار أحكام وانقل تركيزك وأطلق نواياك وعش بسلام.

نمتنّ لمشاركتنا رأيك..إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

16 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
k
4 سنوات

ممتنه لكلماتك العميقه ..

هتان
4 سنوات

شكرا عمار على المقالة العميقة والمليئة عمارة نفس وأرض.

Mervit Alsafar
4 سنوات

امتنان للمقال وصاحبه وللمنصه
و للجميع كل التقدير
معا نحو عصر السلام بسلام

يوسف كوديو
4 سنوات

ماشاء الله تبارك الله… موفق اخي وصديقي العزيز/عمَّار… مقالة ممتعة وشيقة ونتطلع منك المزيد حتى نساهم ف إعمار الأرض ومن قبل أنفسنا… 💐✨

لينا الشعيفاني
المدير
4 سنوات

المقال عميق وملم وبارز فيه قوة روحك عمّار..

Wa.
4 سنوات

شكرا استاذ عمار مقال ملهم ومفيد

Reema
4 سنوات

كيف اعرف اني مراقبة لنفسي

عبدالله العامر
4 سنوات

شكرا على المقال الجميل
ملاحظه بسيطه الخلفيه مزعجه في القرائه

0 0 votes
معدّل التقييم
wpDiscuz

اكتشاف المزيد من منصة عصر السلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

×
Exit mobile version