تخطى إلى المحتوى

تفكيك الإيجو 1: كيف تمنعك المشاعر والدوافع السلبية من تحقيق ما تريده​

في هذه السلسلة سنتطرق لبعض جوانب الإيجو وكيف تعيه أكثر.
الإيجو لمن لا يعرف معنى المصطلح هو الذات المزيفة المكونة من البرمجات والمشاعر المنخفضة، والتي هي مصدر لجميع التجارب السلبية، بالوعي تستطيع أن تنتبه للإيجو وتحرره شيئا فشيئا وتكون ذاتك الحقيقية أكثر فأكثر.
بداية، دعنا نتفق على أن كل غاياتنا من تحقيق أي هدف هي فقط عيش مشاعر معينة نريدها، فالهدف لا قيمة له لوحده سواء كان هدفا ماديا أو معنويا، نحن فقط نريد المشاعر المصاحبة لتحقيقه، سواءا كانت سعادة أو سلام أو حب أو راحة أو غيرها.
مثلا
أريد الحصول على سيارة– حرية التنقل، الشعور بالراحة
الزواج— الشعور بالاستقرار
المال— الشعور بالوفرة
الخ

الفروق بين الذات الحقيقية وبين الإيجو في التعامل شعوريا مع الواقع والهدف

1-أنت كذات حقيقية، عندما تضع هدفا، تبدأ في عيش مشاعره الآن

لأنك تعرف أن غايتك هي المشاعر، فتتصل بمشاعر هدفك، أنت تدرك أن الهدف تكملة لمشاعرك وليس مصدرا خارجيا تعتمد عليه مشاعرك، تركيزك يكون منصبا الآن على المشاعر التي تريدها، أما الهدف لا يشغل بالك كثيرا متى يتحقق، لأنك تؤمن أنه سيكون في الوقت المناسب لك.

كإيجو أنت تريد أن تقفز إلى النتيجة المادية مع الحفاظ على مشاعرك المنخفضة الحالية، فتشتكي وتلوم وتغضب وتخاف وتقارن بينك وبين الآخرين… حتى عندما تسعى فأنت كل مدة زمنية قصيرة تتسائل أين النتيجة؟ وتشكك في تحققها.

2-أنت كذات حقيقية لك غاية عميقة من هدفك
تريده من أجل قيم سامية مثل الحب، السلام، خدمة البشرية، اليسر، المشاركة، الرفاهية، التوسع….. فتبدأ في عيش القيمة الآن بما هو متاح لك، لأن القيم دائما متيسرة الآن ولو بأبسط الأشياء.
فالذي يريد عيش الوفرة مثلا يبدأ في ملاحظتها الآن في واقعه، ولا ينتظر هدف ما كي يتحقق حتى يبدأ في عيش الوفرة، عندما تريد الحب، تبدأ في عيشه، ولا تنتظر هدف أو شخص حتى يشعرك بالحب! عندما تكون غايتك حقيقية أنت لا تتمسك بهدف واحد كي تعيش غايتك، بل تكون منفتح لجميع الخيارات المناسبة.
 
كإيجو، لو أسألك لماذا تريد هذا الشيء؟ في الغالب لا تعرف لماذا! غالب أهداف الإيجو كتقليد للآخرين فقط، أو يكون لديه غايات منخفضة، مثل التفاخر أمام الناس أو ليثبت أنه قادر أو كي لا يشعر بالتأنيب أو ليتحكم في الآخرين….. صعب عليه أنه يسعى لقيمة مرتفعة، يشعر كأنها ليس لها فائدة ولن تعود عليه بالنفع بشكل شخصي. يتمسك الإيجو بالهدف كأنه الحل الوحيد له، فيتعلق به ولا ينفتح لأي خيارات أخرى قد تحقق نفس ما يريده، لأنه يركز على الهدف، وليس على غاية حقيقية.
 
3-عندما تفكر في الهدف وتشعر بمشاعر عالية، فهذا دليل على أنك صادق في تحقيقه وصادق في غايتك
لأنك لا تؤمن بوجود معيقات خارجية، وحتى إن وجدت أنت تتعامل معها في الداخل أولا. لما تبدأ في عيش المشاعر والغاية التي تريد الآن، ستلاحظ كأن الزمن وهمي، تكون في حالة من التسليم أن الهدف سيصلك في الوقت المناسب سواءا بعد دقيقة أو بعد أسبوع أو بعد سنة…. لا يهمك كثيرا، لأنك تنتقل من التفكير في الهدف إلى عيشه الآن، وتؤمن أن الأحداث تترتب لك حتى تستحق ما طلبته.
 
في المقابل كإيجو عند التفكير في هدفك، يظهر لك حرمان، ولماذا ليس عندي، وتقارن بمن حولك، وقد تشعر بالعار، وعدم الاستحقاق، وخوف من عدم التحقق وكل المشاعر المنخفضة المعروفة …. كل هذه المشاعر تظهر لأن الإيجو ليس صادقا في أنه يريد الهدف، غايته من الهدف مزيفة، هو فقط يريد التحكم في الواقع الخارجي بسرعة هربا من المشاعر السلبية التي يشعر بها، يعيش في انتظار تغير الواقع دائما لعله يُشعره بشعور أفضل، لكن حتى لو تحقق هدفه فغالبا ما يصاب بخيبة أمل، لأنه لم يجد الشعور الذي كان يتوقعه عند تحقق ما يريد، لماذا؟

الخارج ليس مصدرا للمشاعر، لا مصدر للمشاعر إلا من الداخل

4-كذات حقيقية، أنت تسعى بالمتيسر لك الآن
وحتى إذا لم تصل، فعادي أن تحاول من جديد، لأنك تدرك أنه ليس هناك طريقة أخرى لتحقيق ما تريد غير أنك تسعى وتعمل بما عندك الآن، حتى لو كانت نية بسيطة، الاتصال بشخص، تبحث في الانترنت، الخ. لا يوجد حرمان، أنت تدرك أن المشاعر السلبية لا تحقق لك ما تريد، فتحررها مباشرة وتعيش مشاعر هدفك، تركيزك على الغاية الحقيقية التي وضعتها.
 
كإيجو، فأنت إما أنك لا تعمل شيء تجاه هدفك، فقط تجلس تشتكي وتندب حظك، أو أنك تضغط على نفسك لفعل الأشياء، ثم عندما لا تجد نتيجة تظهر بسرعة المشاعر السلبية المكبوتة، لاحظ أنه لو كنت فعلا تريد هدفك لكنت تقوم بالسعي بمشاعر مرتفعة، لا يضغط على نفسه إلا الشخص الذي يشعر بالإجبار، أو الهروب من شيء يزعجه، كإيجو أنت تريد تغيير الواقع عن طريق الغضب والحقد والحزن والخوف…. وهي طبعا لن توصلك لشيء مفيد.
 
تعمدت أنني لم أعدك بشكل صريح أن هدفك سيتحقق بشكل سحري إن أنت عشت مشاعره الآن، والسبب كي لا تضع توقعات، كثيرون يدخلون عالم التنمية الذاتية ويعملون على أهدافهم بمشاعر منخفضة وغايات مزيفة، فيتأمل ويمارس تقنيات ويتفاءل ويقنع نفسه أن الأمور بخير، ثم لا يجد نتيجة كما يريد، لأنه أصلا غايته كانت خاطئة، كالتهرب من رؤية المشاعر السلبية التي يحملها. لذلك أنا حدثتك عن المشاعر والتي هي كل غايتك أصلا من كل الأهداف، عندما تعيش مشاعر ما تريد، ستكون متأكدا أن هدفك حقيقي وسيسهل عليك تحققه أكثر.
 
لذلك أحيانا لما تحرر المشاعر السلبية، ستكتشف أن بعض أهدافك مزيفة بالكامل وهي ليست لك، فتتخلى عنها وتختار أهدافا تناسب روحك أكثر.
 
من الأشياء المهمة التي يفيدك إدراكها هو أن الإيجو يقوم بحمايتك من تحقيق ما تريد، لأنه يتغذى على المشاعر السلبية، فلنفترض أنه لديك هدف أن تأكل أكل صحي، لكنك تشعر بالذنب والتأنيب أنك تأكل أكل غير صحي، سيصعب عليك جدا تحقيق هدفك لأنك متكيف مع الشعور بالذنب، وحتى إن أكلت أكل صحي لفترة ما سترجع بعد فترة إلى الأكل المضر، لأن دافعك كان مزيف وهروب من مشاعرك، لكن ماذا لو حررت الشعور بالذنب بالكامل وكل دوافعك المنخفضة؟ وقتها بسهولة ستختار بكل محبة أن تأكل أكل صحي، وحتى إن أكلت شيئا مضرا لك فلن يسبب لك شعورا سيئا.
 
إذا أردنا تلخيص المقال، فالفكرة الرئيسية منه هي أن تحدد غايات حقيقية مما تريد وتحرر كل الغايات المزيفة، ثم تحرر المشاعر السلبية تجاه الهدف، وتبدأ في عيش مشاعره الآن، لأنها كل غايتك، مع اتباع أيسر الطرق الموجودة الآن من أجل الوصول إلى ما تريد. (يمكنك الرجوع للمقالات السابقة للمزيد من المعلومات عن التحرر وكيفيته) أَدرك أن المشاعر السلبية والمقاومة لا تفيد في الوصول لهدفك، استبدلها بمشاعر عالية.
 
الذات الحقيقية لا تتحكم في الواقع بقدر ما هي تسمح للتغيير أن يحدث عن طريق السريان واليسر.

نمتنّ لمشاركتنا رأيك..

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

32 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Spirited N
Spirited N
2 سنوات

مقال جداً عميق. بصراحة بديت أقتنع بأن منتهى العمق يكمن في بساطة المعلومة. تحس شيء بديهي بس عقولنا اللي ماتتوقف عن التحليل تصر أن الحل لابد أن يكون معقد أكثر بكثير من كذا.. وتكتشف مع الوقت فعلاً أنا مليانين زيف ومسلمين حياتنا وقراراتنا للإيجو الخائب المرتبك. يعطيك ألف عافيه يونس

Nuha
Nuha
3 سنوات

ياالله ❤️ رائع جدًا ❤️ شكرًا

aws_xx
aws_xx
3 سنوات

هل الايجو هو النفس الامارة بالسوء المذكورة بالقرآن الكريم ؟

norahsalemm
norahsalemm
3 سنوات

شكرا لك اخي يونس مقال جميل💖⚘

sallama.y4
sallama.y4
3 سنوات

مقالة رائعة .. سررت بأنضمامي لعصر السلام.

Doaa
Doaa
3 سنوات

امتنان كبير لك استاذ يونس🙏🏻 ، افدتني كثيراً بهذا المقال .

Nouf Alshahri
Nouf Alshahri
3 سنوات

نور على نور..
الذات الحقيقة تسمح بيسر ..
شكرا لابداع روحك

Safa'a Abu-Sini
Safa'a Abu-Sini
4 سنوات

مقال رائع استفدت منه كثيرا واكتشفت ان الايجو مسيطر ع حياتي بشكل تام
سؤالي كيف ابأ اتحرر منه بشكل عام مو بس تجاه اهداف

ferhat.nett
ferhat.nett
4 سنوات

شكرا جزيلا مقال رائع مشروح بيسر و سلاسة بارك الله فيك

حنين
حنين
4 سنوات

واو مقال رائع والله من انسان فاهم ماشاء الله
شكرا جزيلا

مريم
مريم
4 سنوات

ممتنة لما تقدموه 💕

looda11
looda11
4 سنوات

🙏💕

Roro
Roro
4 سنوات

الى اي مدى ممكن الايجو يضر الانسان ؟ وكيف تكون هو من الاساس ولماذا ناس عندهم وناس لا

فاطمة
فاطمة
4 سنوات

ممتنه لله انه دلني على هذا المقال وممتنه لك على المقال العميق احس اني ادركت اكثر وفهمت اكثر وكاني لمحت نافذة من نور 🙏🏻♥

abdelrahman
abdelrahman
4 سنوات

شكرا جزيلا لكاتبه وحامله

Ali
Ali
4 سنوات

ممتن على ايجاد هذا المال

مريم
مريم
4 سنوات

رائع جزاكم الله خير 🙏🏻💕

SOUL
SOUL
4 سنوات

سكرا جزيلا للكاتب على المقال ماشاء الله واضح و مختصر الطريق هي كذلك الحقيقة بسيطة و واضحة و سهلة لكن الايغو يقول معقول هي بهذه البساطة .. لا لا .. فيكفر بها و يخبص و يعقد الأمر … لمن لم يفهم المقال يعيده و يكرره و يلخص فهمه في ورقة افضل

0 0 votes
معدّل التقييم

مقطوعة الأبعاد العُليا

×