
تجاوز المتناقضات في الحياة
يونس - مدون بمنصة عصر السلام
كاتب تنويري
- يونيو 10, 2020

تتم رؤية الحياة في مستويات الوعي المنخفضة على أنها مزيج من المتناقضات والثنائيات مثل الخير والشر، الحب والخوف، أبيض وأسود، وكلما ارتفع وعي الشخص كلما رأى أن الحياة هي ألوان متعددة وليست متضادات بالضرورة، نستعرض في هذا المقال أهم ما يقوم عليه فكر المتناقضات وكيف تفككه في داخلك لتعيش الحياة خارج صراع الأقطاب:
1- معرفة الشيء بنقيضه
هذا الفكر شائع بكثرة حتى في بعض مدارس التنمية الذاتية، فيقال لك لتقدّر المال لا بد أن تجرب الفقر أو لن يقدّر الصحة إلا من جرّب المرض، لن ينجح إلا من بدأ من تحت الصفر، لا بد أن تمر بالمعاناة لتعي، لا بد أن تلامس القاع حتى تصل للقمة;
في الحقيقة أنت لا تحتاج ذلك، نعم تستطيع عند مرورك بشيء سلبي أن تقدّر الشيء الإيجابي وهذا من الوعي، لكن لا حاجة أن تطلب النقيض لتعرف قيمة ما عندك، لو كان عملك يوفر لك 1000 دولار مثلا، فأنت لا تحتاج أن تفقد عملك لُتقدّر المال، يمكنك الامتنان مباشرة ويكون امتنان حقيقي، لكن تجربة النقيض حتى تُقدّر الشيء هي غالبًا كالتالي:
رغبة في الشعور بالحرمان، وهذا الحرمان يسبب ردة فعل عاطفية على شكل تقدير، غالبًا ما تختفي سريعا مع الوقت لأنها غير حقيقية
أو حتى تشعر أنك تستحق، فأحيانا يختار الإنسان الطريق الصعب وذلك لُيقنِع نفسه أنه يستحق ما حصل عليه بعرق جبينه، وإن حصل عليه دون صعوبات أو دون أن يفقده أولا؛ فقد يعتبر ذلك لقمة باردة ويزدريها، نفس فكرة الهدية، هناك من يستقبلها بمحبة وهناك من يشعر بالعار منها أو أن الآخر أشفق عليه أو ربما له مصلحة وراءها.
أو حتى تشعر أنك تستحق، فأحيانا يختار الإنسان الطريق الصعب وذلك لُيقنِع نفسه أنه يستحق ما حصل عليه بعرق جبينه، وإن حصل عليه دون صعوبات أو دون أن يفقده أولا؛ فقد يعتبر ذلك لقمة باردة ويزدريها، نفس فكرة الهدية، هناك من يستقبلها بمحبة وهناك من يشعر بالعار منها أو أن الآخر أشفق عليه أو ربما له مصلحة وراءها.
هناك مثل عميق يشرح فكرة عدم الحاجة للتوهان في المتناقضات وهو أنه السمكة لا تحتاج أن تخرج من المحيط لتقدّر نعمة الماء.
2- التذبذب والكمال
هناك اعتقاد سائد أن التذبذب هو من سنن الحياة، فأنت اليوم مريض وغدا مُتشافي، اليوم مُبتهج وغدا حزين، وهكذا يرى الناس الحياة كصعود و نزول دائم، لذلك فكرة الكمال مرفوضة بشدة في الوعي الجمعي، فمن غير المعقول وجود شخص هادئ لا يغضب أو شخص عنده وفرة دائمة، ولو وُجد إما لا يتم الانتباه له أو تتم محاولة الاستنقاص منه بأنه من المؤكد أن له مجالات أخرى منخفضة في حياته (نظرية الـ 24 قيراط)، أو ربما يتم اتهامه بأنه منافق ويخفي متعمدا جانبه المظلم، لذلك يتغذى الإيجو على فضائح المشاهير أو بالأخبار التي تقول أن سعادتهم مزيفة، وذلك ليؤكد اعتقادًا أن الحياة متذبذبة بين السلبي والإيجابي وأنه هذا هو الطبيعي!
حتى تنتبه إلى زيف هذا المفهوم، ابدأ بملاحظة الأشياء الكاملة في حياتك منذ ولادتك إلى الآن والتي قد تكون معتادا عليها لدرجة أنه لا يخطر ببالك أنها فعلا كاملة ولا تتأرجح صعودا ونزولا، قد تكون عندك ميزة الجمال وأنت غير منتبه لذلك، حواسك الخمسة من المؤكد أنها تعمل بشكل سليم أو على الأقل أغلبها، هل بِت في العراء سابقا (ليس على سبيل التخييم طبعا) أم دائما كان هناك سقف يؤويك؟
عندما تبحث ستجد عدة أوجه للكمال في حياتك، تخيل شخص يقول لك أنه من الطبيعي أنه الماء يتذبذب فأحيانا يوجد وأحيانا ستظل عطشانا وهذه سنّة الحياة وأنك لن تعرف قيمة الماء إلا بفقدانه! أكيد أنك ستضحك على الفكرة.
التذبذب الطبيعي هو ما يكون بين شيئين حقيقيين مثل أن تنام وتستيقظ أو بين أن تعمل وترتاح أو أن تتعامل مع هذا ببيهجة و مع ذاك بمحبة.. وهذا ليس المقصود طبعا من التذبذب، لكن القصد من التذبذب المزيف هو ما بين الحقيقة والزيف ، في مستويات الوعي المنخفضة عندما يظهر لك شيء سلبي إما أنك سترى أن هذا طبيعي وأنه يوم لك ويوم عليك، أو أنك ستكبت شعورك وتتظاهر بشيء إيجابي حتى تعيش في عالم موازي، لكن مع زيادة الوعي أنت تعرف أنه الانخفاض ظهر لسبب ما وأنه التباين بين الحقيقة والزيف ليس علامة صحيّة أو قدر محتوم، فأحد مستويات الحقيقة هو الحكمة 400 هاويكنز ويعني دائما أن هناك سبب ونتيجة.
فمشاعرك مثلا لا تنخفض دون وجود سبب لانخفاضها، لو أن شخصا ما حسم جميع ما يُحزنه في الحياة فهل يمكن أن يصل لمرحلة أنه لا يحزن أبدا؟ و يكون فعلا هو كذلك دون تصنّع منه من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ .. تفكّر في ذلك.
إذا كنت من الذين يرون أن جمال الحياة في أنها متناقضة ويوم جيد ويوم سيء، فهذا خيارك الذي أنت اخترته بوعي، وهذا من حقك طبعا فهناك من يرى لذّة في عيش المغامرة (مع أن المعنى الحقيقي للمغامرة مختلف) والتقلّب بين الأقطاب، فحتى عندما يحب شخصا لا يحبه حُب صافي بل يُحبه حب ممزوج بحرمان، تأنيب، خوف، تحكم….إلى آخره.
إذا اخترت هذا الخيار ودافعت عنه، فقِف وراء خيارك حتى لا تناقض نفسك، بما أنك اخترت التقلّب بين السلبي والإيجابي، فعندما تمر بالسلبي اقبله لأنك اخترته، كأنك اخترت حبس نفسك في غرفة حتى تشعر بقيمة الحرية، فلا تبحث عن حل للخروج من المأزق الذي أنت صنعته، وإلا فأنت غير صادق في أنك تريد عيش النقيضين، وأنت تريد عيش البعد العالي في الحقيقة، عندها أعد قراءة المقال من أوله و يسعدنا انضمامك معنا.
3- التوازن المزيف
في الوعي الجمعي وفي بعض مدارس التنمية الذاتية أيضا يتم تعريف التوازن على أنه الحياة هي مزيج من بين الإيجابي والسلبي فمثلا الشخص “العادي” يعيش حياته 60% بشكل إيجابي و 40% بشكل سلبي وقد تختلف النسبة حسب مجالات حياته المختلفة (صحة، علاقات، مشاعر… )، أما الشخص الذي يسمى “إيجابي” فهو الذي تصل نسبة إيجابيته إلى 80-90% مثلا، أما إذا وصلت 100% فيتم اعتباره شخص حالم، كاذب، غير واقعي، وفعلا قد يكون كذلك حقيقة وقد لا يكون، وستعرف كيف تفرّق كما سأشرح لك الآن.
بالرجوع إلى مفهوم التذبذب فإن تعريف التوازن حسب ما هو منتشر قائم على نفس الفكرة، فالإيجابية المصطنعة هي مجرد نقيض للسلبية، فعندما يخاف شخص يسمي نفسه إيجابي فهو لا يحرر خوفه بل يغطيه بالتفاؤل، مضاعفة العمل، الابتعاد عن الأشخاص الذين يذكرونه بالخوف وهكذا دون حسم السبب الأصلي للخوف.
المفهوم الحقيقي للتوازن هو إدراك وهم السلب أصلا، إذا كان الشعور السلبي -1 فأنت عادة ستضيف له +1 حتى يتوازن ويصبح 0، لكن ماذا لو مسحته بالممحاة وكتبت الرقم الذي تريده عوضا عن ذلك؟
عندما تنظر للمشاعر السلبية على أنها وهمية وأقل من أول مستوى للحقيقة (200) على مقياس هاوكينز، فأنت لن تحتاج لمعادلتها بشيء آخر، يكفي أن تحسمها وتحررها لتجد أنها وهم وتتجاوزها. المشاعر العالية أيضا متوازنة بحد ذاتها، فبعد أن تبتهج مثلا فلا حاجة أن تحزن حتى تعيش التوازن، إلا إذا كانت بهجتك هروبا من شيئا آخر، فالوهم ليس قادرا على تعكير صفاء شيء حقيقي، التوازن الحقيقي يحرّرك تماما من التعلق بأي شعور، فمثلا قد تكون متعلقا بالشعور بالحب وذلك بسبب شعورك بالحرمان، أو أي سبب آخر حسب تركيبتك، إذا بدأت برؤية معيقك على أنه وهمي تماما وقمت بالتحرر منه فأنت لا حاجة لك أن تتعلق بالحب لأنه أصلا موجود كشعور الآن لكن انتباهك لم يكن يلتقطه فقط بسبب تصديقك لشعور الحرمان، امسحه بالممحاة بدلاً من محاولة معادلته بالبحث عن شعور المحبة لأنه لن يكون حل حقيقي وسيتركك تعيش في دائرة التذبذب بين المحبة والحرمان.
عندما تنظر للمشاعر السلبية على أنها وهمية وأقل من أول مستوى للحقيقة (200) على مقياس هاوكينز، فأنت لن تحتاج لمعادلتها بشيء آخر، يكفي أن تحسمها وتحررها لتجد أنها وهم وتتجاوزها. المشاعر العالية أيضا متوازنة بحد ذاتها، فبعد أن تبتهج مثلا فلا حاجة أن تحزن حتى تعيش التوازن، إلا إذا كانت بهجتك هروبا من شيئا آخر، فالوهم ليس قادرا على تعكير صفاء شيء حقيقي، التوازن الحقيقي يحرّرك تماما من التعلق بأي شعور، فمثلا قد تكون متعلقا بالشعور بالحب وذلك بسبب شعورك بالحرمان، أو أي سبب آخر حسب تركيبتك، إذا بدأت برؤية معيقك على أنه وهمي تماما وقمت بالتحرر منه فأنت لا حاجة لك أن تتعلق بالحب لأنه أصلا موجود كشعور الآن لكن انتباهك لم يكن يلتقطه فقط بسبب تصديقك لشعور الحرمان، امسحه بالممحاة بدلاً من محاولة معادلته بالبحث عن شعور المحبة لأنه لن يكون حل حقيقي وسيتركك تعيش في دائرة التذبذب بين المحبة والحرمان.
لماذا نُحرّر مشاعرنا السلبية؟
قد يخطر ببالك هذا السؤال: عند القيام بالتحرر أليس هذا نوعًا من التناقض أن أعيش الشعور السلبي حتى أصل للشعور الإيجابي؟ لماذا لا أعيش الشعور الذي أريده مباشرة؟
الجواب: الفكرة الحقيقية من التحرر ليست في تخفيض مشاعرك من أجل رفعها ، حقيقة التحرر هي في التخلص من المعيقات الذاتية التي أنت سبق ووضعتها بنفسك بدون وعي، فأنت عندما ولدت لم تكن تشعر بالتأنيب مثلا، لكنك عندما كبرت تبنّيت هذه الفكرة ممن حولك وصدّقت أن استحقاقك قليل بسبب أنك مذنب ومقصر، الآن عندما وعيت، في كل مرة عندما تريد الشعور بالاستحقاق سيظهر لك المعيق ، وهو في حقيقته كأنه يقول لك حررني، فإذا رأيته على أنه وهمي وحررته تلاشى وإلا فإنه سيصر عليك في كل مرة تطلب شعور الاستحقاق
الجواب: الفكرة الحقيقية من التحرر ليست في تخفيض مشاعرك من أجل رفعها ، حقيقة التحرر هي في التخلص من المعيقات الذاتية التي أنت سبق ووضعتها بنفسك بدون وعي، فأنت عندما ولدت لم تكن تشعر بالتأنيب مثلا، لكنك عندما كبرت تبنّيت هذه الفكرة ممن حولك وصدّقت أن استحقاقك قليل بسبب أنك مذنب ومقصر، الآن عندما وعيت، في كل مرة عندما تريد الشعور بالاستحقاق سيظهر لك المعيق ، وهو في حقيقته كأنه يقول لك حررني، فإذا رأيته على أنه وهمي وحررته تلاشى وإلا فإنه سيصر عليك في كل مرة تطلب شعور الاستحقاق
الفرق بين فِكر العيش في المتناقضات وبين ما شرحته لك هو أنه في المتناقضات أنت تعيش في تذبذب دائم، لكن عندما تعي أن الحقيقة راسخة وأنها ليست عكس السلبية والتي هي وهم أصلا، عندها لن تحتاج التذبذب بين الخير والشر أو بين العالي والمنخفض، فإذا ظهر لك شيء منخفض تقوم بتحريره ثم تعيش ما تريده.
المثالية المزيفة تقوم على إنكار السلبية بينما في المثالية الحقيقية فإن السلب وهم أصلا وأنت لست في حاجة للصراع معه أو الهروب منه أو الموافقة عليه، وفي المقالات السابقة تم شرح العديد من الطرق لإدراك الزيف والأوهام والتحرر من المشاعر و المعتقدات و كذلك في برنامج عودة إلى الذات.
الآن بعد هذه المقالة شاركنا الاحتفال بمرور عام على افتتاح المدونة، ووصلنا معا لهذه المرحلة الرائعة، وتذكر المشاركة والمحبة والامتنان مشاعر عالية نستحقها.
المقال مسموعاً
قد ترغب بقراءة
0
0
votes
معدّل التقييم
مقالة جميلة و مفيدة …. اذا تمعنا فيها سندرك اننا يجب ان نغير من قناعاتنا. شكرا لك أستاذ يونس.
كم اشعر بالامتنان لمعرفتهم و للقدر الجميل الذي بعثكم لي … كل الشكر و الامتنان .
شكرا فاتن 🙏